للتواصل معنا 37492352

الخميس، فبراير 16، 2012

اشنقوا آخر السياسيين بأمعاء آخر فقهاء السلاطين!\كريم الدين ولد محمد

كان شعار الثورة الفرنسية قبل قرون من الزمن عبارة تقول: <<اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس>> عبارة يجب أن يقف عندها كل مغني للحرية وعازف لنشيدها لأنها تمثل لحنا موسيقيا عذبا لحنته ذات يوم حناجر الثوار الفرنسيين وهم يطالبون بالقضاء على نظام الحكم المستبد الذي أصلاهم سعيرا ونكل بهم أشنع تنكيل مستمدا شرعيته من الكنيسة وقساوستها الضالين والمنحرفين.
لقد دفع الفرنسيون ثمن حريتهم باهظا حيث قتل منهم خلق كثير في معركة الملك والشعب ولكنهم أخيرا حصلوا على الحرية والنعيم بعد القضاء على نظام الملك والكنيسة وكانوا من رواد الثورة الصناعية الكبرى التي شهدتها أوروبا بعد ظلام القرون الوسطى.
واليوم وبعد قرون على الثورة الفرنسية ثارت شعوب عربية لا تقل اضطهادا عن الفرنسيين آنذاك على حكامها المستبدين وأسقطتهم بعدما استعبدوها لسنوات طويلة فأطاحت رياح التغيير العربي بقائمة من طغاة الحكام والسائرين في فلكهم والمسبحون بحمدهم من رجال الإعلام والدين.


بيد أن هناك شعوب عربية كثيرة لا تزال تعيش تحت ظلم الحكام المستبدين من العسكر والمدنيين المستمدين لشرعيتهم من آراء وفتاوى بعض فقهاء السلاطين المتآمرين على الرعية والدين.
ومن بين تلك الشعوب الشعب الموريتاني المغرر به والذي يعاني من كم هائل من المشاكل تتفاقم حدتها يوما بعد يوم، فرغم كونه من أغنى شعوب العالم بالخيرات والموارد الطبيعية ومن أقلها عددا فهو في الجانب الآخر من أكثرها فقرا حتى أصبح أخيرا مهددا بالمجاعة حسب المنظمات الدولية وتقاريرها، ويبقى النظام المتهالك وأعضاء حكومته مشغولون بجمع الأموال وتكديسها غير آبهين بما يعانيه البلد من جفاف ومجاعة، مكتفين بخطط ارتجالية لا تعدو كونها طريقة جديدة ابتكرها النظام وتجاره لسرقة أموال هذا الشعب المسكين.
نظام فاسد ومفسد أهلك الحرث والنسل وشعب يعاني الجهل والتدجيل وشباب سرقت عقولهم ممن لا عقل له فأصبحوا يعيشون تحت رحمة نار البطالة ونار الغلاء المعيشي وبين النارين نار الدولة البوليسية التي بدأ نظام الجنرال عزيز في نسج وبناء خيوطها بعدما تفرغت أو فُرغت أجهزة الأمن لقمع كل مواطن مطالب بحقه في حياة أفضل.
ومع كل هذا وغيره من الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد تبقى الساحة السياسية أهدأ من قبور الأموات ويبقى فقهاء القصر الرئاسي نائمون أو منومون وفي كلتا الحالتين فإنهم عاجزون عن توجيه المسئولين نحو صلاح الشأن العام وتنوير العامة بشأن حقوقهم والطريقة المشروعة للمطالبة بها.
إن السياسيين في موريتانيا هم سرطان هذا الشعب وفيروسه الخبيث الذي ينخر جسمه ويزيد من انتشار الأمراض به، فلا أولئك السياسيون الطامعون في كل رئيس جديد المتشدقون بالإصلاح وهم بالفساد وللفساد أولى حدثتهم نفوسهم بفعل معروف لهذا الشعب ولو من بقايا جيوبهم المتورمة، ولا هؤلاء المطبلون تحت لواء المعارضة المنادون بالتغيير استطاعوا الترفع عن أطماعهم الدونية وسعوا إلى تغيير سياسات الخبث والحوار العديم الفائدة ومغازلة زملائهم في الضاحية الأخرى من نهر المال العام والتنقل من هنا وهناك أو من منزلة لأخرى أو المكوث بين المنزلتين بعد أن أثبتت الأيام أنه لا خير في المنزلتين ولا فيما بينهما، فأهل السياسة في موريتانيا هم أصحاب مطامع ذاتية ولا خير في كثير من نجواهم، و إلا فلماذا لا تسعى منسقية المعارضة للنزول إلى الشارع والمطالبة بزوال نظام ولد عبد العزيز أو إجراء إصلاحات صريحة وعاجلة خاصة أنها تدعي تمثيل الشارع العام؟
وإذا كان أهل المنسقية لا يثقون في جماهيرهم فعليهم على الأقل أن يبرهنوا على جدية بياناتهم ومؤتمراتهم الصحفية بأن يقرر كل حزب منهم النزول إلى الشارع بأعضاء مكتبه التنفيذي ومجلسه الوطني مطالبين بإسقاط النظام والأكيد أن الجمع لن يكون بالقليل وسيقتنع الناس بجديتهم ويلتفون حولهم وبالتالي يتسنى لنا خلق التغيير المطلوب.
ولكن الواضح أن كل تلك الإدعاءات إنما هي أسلوب تسويقي لجلب العروض والأموال من أهل الحدائق الخضراء في الضاحية الأخرى من الواجهة السياسية خاصة أن موجة الجفاف على الأبواب.
إلى متى والشعب الموريتاني يستعبد ويذل من طرف نظام جائر ولا أحد من رجال السياسة وفقهائها يحرك ساكنا؟
أليس من العار مثلا أن يدفع الشعب الموريتاني ثمن إجرام وقلة تربية وفساد ابن الجنرال عزيز بعد أن دفعنا ثمن فساد والده؟ كيف تسخر وسائل الدولة وأموالها ويسخر موظفوها الذين يتقاضون رواتبهم من ضرائب الشعب وعائدات ثرواته يسخر كل ذلك للتغطية على جريمة ارتكبها شاذ مجرم لمجرد أنه ابن الرئيس؟
من أين جاءت تلك الأموال التي بذلت لإرضاء أهل الفتاة هل جاءت من راتب الجنرال عزيز الذي لو جمعناه طيلة خدمته العسكرية لما وصل إلى ذلك المبلغ الطائل؟
الغريب في الأمر أننا لم نسمع عن قاضيا واحدا من سلك القضاء في الجمهورية الإسلامية الموريتانية ولا عالما واحدا من علماء القصر تحدث عن هذا المنكر الشنيع في أحد البرامج التي يحيونها ليل نهار في الإعلام الرسمي، والله العظيم ليس فوق هذا عار ولا إذلال لكل الموريتانيين.
لقد تناسى علماؤنا الكبار أن مالك ابن أنس إمام السنة والجماعة جلد لطعنه في صحة أيمان البيعة التي كان خلفاء بني العباس ينتزعونها من العامة كرها، ولعلهم تناسوا أيضا أن سعيد ابن المسيب جابه والي الأمويين الجائر والظالم الحجاج ابن يوسف الثقفي بالحق حتى فقد حياته بسبب ذلك، فأين علماء القصر الرآسي من ذلك...؟
ولعل كل الغرابة من مواقف بعض علمائنا الأجلاء الذين نادوا بوجوب طاعة جنرال متهور متسلط أخذ السلطة عنوة وأفسد العباد و البلاد.
إنه يحق لنا أن نتساءل عن وجوب احترام أهل العلم إذا هم منحوا علمهم إجازة من أجل إرضاء ولي أمر لم توجب الشريعة طاعته حسب غيرهم من العلماء غير المشكك في علمهم ولا عملهم.
لقد آن الأوان لشباب ومثقفي هذا البلد أن يحملوا لواء الثورة والتغيير وأن يسعوا وراء حقهم المشروع في حياة أفضل وأن يجعلوا شعارهم "اشنقوا آخر السياسيين بأمعاء آخر فقهاء السلاطين الواقفين أمام مطالبة هذا الشعب لحقه في العيش الكريم" وعلى كل الفقهاء وأئمة المساجد أن يساندوهم في مشروعهم وينيروا الطريق أمامهم لكي يحكم الناس أنفسهم بالعدل والشرع والإحسان، وعلى كل من يصفون أنفسهم بالصدق والإخلاص من أهل السياسة أن يسيروا في هذا الاتجاه وإلا فإنهم بذلك يؤكدون أنه لا فرق بينهم وبين باقي الكذابين والمنافقين والمتملقين من المعارضين والموالين.
وأخيرا ألا يحق لساكنة هذا البلد أن يعيشوا حياة كريمة تسودها العدالة الاجتماعية بعدما انتشر الظلم والفساد والاستبداد؟ بلى إنه لحق مشروع وقد آن الأوان فغدا تشرق شمس الحرية على شعب مضطهد مظلوم تعرض للويل والتجويع والتنكيل من قبل نظام دكتاتوري فاشل وفاسد.