للتواصل معنا 37492352

السبت، مارس 09، 2013

حول مستقبل الشراكة بين دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية

سيدي ولد عبد المالك-إعلامي موريتاني مهتم بالشؤون الإفريقية
سيدي ولد عبد المالك-إعلامي موريتاني مهتم بالشؤون
الإفريقية 
يشكل انعقاد قمة "مالابو" التي أُسدل الستار على أعمالها يوم أمس بغينا الإستوائية ، والمخصصة لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين دول أفريقيا و دول أمريكا الجنوبية أو ما يعرف بنادي "جنوب –جنوب" خطوة جديدة على درب المساعي الهادفة لبلورة هذا الطموح.


ويعود التطلّع لبناء جسور اقتصادية ودبلوماسية بين القارّة السمراء ونظيرتها اللاتينية إلى نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي، حيث كانت أفريقيا في قلب اهتمامات شعوب قارّة أمريكا الجنوبية؛ أحفاد «سيمون بوليفار» الذي كان ينادي دائماً بضرورة تحرّر الشعوب المقهورة من قبضة القوى المتسلّطة.

دوافع الشراكة بين الجانبين تجد لها مع مرور الوقت أكثر من مبرر، فاحتكار الدول العظمى للقرار السياسي في المنظمات الدولية ومحاولتها التأثير في التنظيمات الإقليمية الفاعلة في كل قارات العالم،
واستفحال ظاهرة القطب الأحادي، وتنامي التكتلات الاقتصادية للكبار، كلها أمور تحفز القارات المهمشة على خلق حلف جديد مؤثر في كفة الموازين الدولية.

وتهدف شراكة دول الجنوب في أفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى خلق قطب اقتصادي وديموجرافي وجغرافي فاعل على المستوى العالمي، وقادر على الدفع بـ«دمقرطة» المنظمات الدولية، وتوسيع هامش المشاركة فيها، كمنظمة التجارة العالمية، والأمم المتحدة مثلاً، وكذا معالجة ظاهرة شلل القرارات الدولية التي لا تروق للكبار.

شيء من التاريخ


تمتلك القارتان رصيداً كبيراً من الثقة والعلاقات التاريخية والموارد الطبيعية، يمكن توظيفه في بناء شراكة متينة "لا غالب فيها ولا مغلوب" بالمنطق الاقتصادي؛ فالقارتان تمثلان ما مجموعه 20% من سكان المعمورة.. كما أن هناك دولاً محددة في أمريكا اللاتينية لها بصمات واضحة في أفريقيا، ويمكن لها أن تحظى بكسب ثقة الأفارقة في وضع لبنات الشراكة، ومن أهمها:

-البرازيل يعود اهتمام البرازيل بأفريقيا إلى ما قبل الاستعمار؛ حيث كانت تحتفظ باتفاقيات تجارية مع بعض القوى الاستعمارية في أفريقيا، وقد عرف الانفتاح البرازيلي في القارة السوداء - بعد الاستقلال - فترات مد وجزر بين عامي 1961و1964م بسبب بعض الأحداث الداخلية الناجمة عن عدم الاستقرار السياسي في البرازيل، غير أن تهديد الأسواق الأوروبية بإغلاق أبوابها أمام الصادرات البرازيلية حوّل الأنظار البرازيلية إلى أفريقيا بحثاً عن أسواق جديدة. وقد سجل التبادل التجاري بين الجانبين انتعاشاً كبيراً بين عامي 1965و1970م، وزاد هذا الانتعاش من الاهتمام البرازيلي بأفريقيا.. غير أن البرازيل ظلت عاجزة عن توسيع أسواقها الأفريقية آنذاك؛ بسبب دعمها وعلاقاتها القوية ببعض القوى الاستعمارية والعنصرية في القارة، كالبرتغال التي كانت تخضع لها كل من: أنجولا، وغينيا بيساو، وموزمبيق، ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.. إلا أن عام 1973م كان بداية تحول حقيقي في السياسة البرازيلية تجاه أفريقيا؛ حيث دعت البرازيل في سابقة هي الأولى من نوعها إلى الاعتراف بحق الشعوب الأفريقية في تقرير مصيرها ونيل الاستقلال. وقد أعطى الرئيس السابق «لولا دا سيلفا» لأفريقيا مكانة خاصة؛ حيث زار 15 عاصمة أفريقية أثناء فترته في السلطة ، وزاد من الروابط الاقتصادية لدولته مع القارة السمراء ، وتُوِّجت مسيرته بحصوله على جائزة «إفليكس أفوت بوني» للسلام من قبل حكومة ساحل العاج، تكريماً له على جهوده في أفريقيا. ومن جهة أخرى، تحرص البرازيل في تقاربها مع أفريقيا على استغلال عمقها الثقافي والاجتماعي الأفريقي؛ إذ يمثل السود من أصول أفريقية قرابة 40% من سكانها الذين جاء أسلافهم في فترة ازدهار تجارة الرقيق إلى الأمريكتين.. ويُحسب للبرازيل كسبها لقضية القطن في منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب دعم الأخيرة الكبير لمحصول القطن؛ مما أثّر على منتجيه الكبار في الدول الفقيرة، وأضعف من قدرتهم التنافسية، والذين تنحدر غالبيتهم من دول أفريقية مثل: بوركينا فاسو، وتشاد، وبنين، وتوجو. و مالي.

-كوبا كانت لكوبا - هي الأخرى - أياد بيضاء على بعض دول أفريقيا، مثل غينيا بيساو، وأنجولا؛ حيث كانت داعماً قوياً لحركات التحرر اليسارية الأفريقية في السبعينيات برجالها وسلاحها، وقد استنفد هذا الدعم ما يزيد على 10% من ميزانية كوبا السنوية في تلك السنوات.. ولم يقتصر الدعم الكوبي على السلاح والمعدات العسكرية، فقد قدمت كوبا ولا تزال تقدم بسخاء دعمها الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي للأفارقة.
- فنزويلا عرفت علاقات فنزويلا بأفريقيا في عهد رئيسها الحالي «هوجو شافيز» تطوراً ملحوظاً، فالرئيس «شافيز» - اليساري الراديكالي المتأثر بوصايا «سيمون بوليفار»، والذي يطمح منذ وصوله للسلطة إلى إقامة تحالف دولي مناهض للإمبريالية الأمريكية - جعل من أفريقيا إحدى أولوياته في ركائز هذا التحالف المنشود. ويُعَدُّ «شافيز» من أكثر زعماء العالم حضوراً على المسرح الأفريقي، ولا تمر زياراته لأفريقيا دون التحذير من خطر الهيمنة الأمريكية وتعاظم نفوذ الشركات الغربية العاملة في أفريقيا، وتملصها من الضرائب وتدخلها في الشؤون الداخلية والقضايا السيادية، كما يحرص على التذكير بجذوره الأفريقية واعتزازه بها (أبوه من أصول أفريقية). ويحرص «شافيز» على أن يجعل زياراته الأفريقية فرصاً لتقديم عروض تعاون مغرية؛ كتزويد الدول المحرومة من الطاقة بها ومساعدة الدول المنتجة لها من خلال تزويدها بتقنيات التكرير والمنشآت اللازمة، كما يحاول تقديم الخبرات الفنزويلية لمحاربة الفقر كنموذج قابل للتطبيق، وهو الشيء الذي يعتبره خصومه ترويجاً للطرح اليساري.

عوائق تواجه الشراكة


طموحات وعوائق كثيرة تواجه هذه الشراكة المنشودة ، منها ما هو داخلي و خارجي ، فمن العوائق الداخلية التي تتربص بهذا الحلف الوليد عقدة اليأس من نجاح تكتلات الضعاف سواء أكانت قارية أم إقليمية.. فعلى المستوى الأفريقي، هناك العديد من التجارب الإقليمية التي لا تبعث على الأمل، ففي كل ركن من أركان القارة توجد العديد من المنظمات الإقليمية غير الفاعلة، وهذه المنظمات التي تُعنى في الغالب بالتنمية لا تحقق من تطلعات الشعوب إلا النزر اليسير.. وإذا قورنت سلبيات هذه المنظمات بإيجابياتها فسنجد أن الحصيلة عبارة عن قمم هزيلة لا تخرج بنتائج ذات قيمة تُنهك خزائن الدول الأعضاء، هذا إن كُتب لها الانتظام في احترام آجال الانعقاد، الذي غالباً ما تعصف به الخلافات شبه المستمرة والمتجددة للقادة ذوي الأمزجة المتقلبة. كما أن الاتحاد الأفريقي المفترض أن يكون الواجهة الأفريقية في هذه الشراكة لم يقف حتى الآن على قدميه، حيث يواجهه جملة من الصعاب على مستوى البنية الهيكلية، وعدة اختلافات على مستوى الرؤية.
أما على صعيد التحديات الخارجية، فإن أغلب الدول الأفريقية مرتبطة بعدة مواثيق اقتصادية وعسكرية مع الغرب الذي تتحكم مؤسساته الاقتصادية بنسب استثمارية كبيرة في أفريقيا، الأمر الذي يجعل من قدرة القارة على التخلص من هذه الالتزامات أمراً ليس بالهين، كما أن تحكّم القوى الغربية في المؤسسات الدولية المانحة التي تقتات عليها معظم الدول الأفريقية في القروض والمنح وبرامج الإصلاح الهيكلي لاقتصادياتها عامل لا يمكن إهماله. وبالإضافة إلى تحدي القوى التقليدية لأفريقيا - كأوروبا والولايات المتحدة - فإن تحدي المنافسة الشرسة (الصينية، والهندية، والإيرانية، التركية)، لا يمكن تحييده عن جدول التحديات الكثيرة التي تواجه مشروع شراكة «الجنوب - جنوب» بين القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية. ويضع حجم التبادلات التجارية بين الطرفين، الذي لا تتجاوز نسبته حاليا حوالي 3% سؤالاً كبيراً حول إمكانية القارتين تجسيد واقع شراكة فعلية يكون الاقتصاد عمودها الفقري وسيد الموقف في أبرز أوجهها.

ليست هناك تعليقات: