للتواصل معنا 37492352

الأحد، يونيو 17، 2012

الطينطان القديم...أطلال مدينة لن تعود


تبدو أطلال "الطينطان القديم" مغبرة شاحبة كمدينة أثرية خلدها رسام محترف في رسم اللوحات الزيتية وتركها في متحف يفتقر لوسائل صيانة الآثار..كل هذه المساكن أصبحت جزءا من الذاكرة وصفحة من التاريخ..الطينطان المدينة التي يقترب عمرها من بلوغ قرن..الصاخبة بأحداث التاريخ ومعالم الجغرافيا..كانت ذات يوم آمنة مطمئنة ياتيها رزقها رغدا من كل مكان، ولكن..

جرفت السيول المدينة ذات ليلة6أغسطس2007..فبدأت منذ ذلك التاريخ تاريخا آخر.. أعلنت مدينة الطينطان مدينة منكوبة منذ أول يوم..زار الرئيس يومها المكان وشاهد المأساة بأم عينيه.. تضافرت جهود الدولة والمجتمع المدني والمحسنين من الداخل والخارج..لكن المأساة لم تنته بعد..ولكل قصة يرويها وحجة يعلل بها وجهة نظره..المتفق عليه أن ملامح الكارثة ما تزال تظهر شحوبا على محيا المدينة الجميلة..كارثة اعتبرت الأسوء في تاريخ البلد..أرغمت السكان على النزوح عن منازل ومتاجر ومقابر كانوا يبنونها منذ عشرات السنين..


السوق الخراب

هذا طرف من السوق القديم لمدينة الطينطان..كان ذات يوم عامرا بالحركة الضجيج..شوارعه اليوم خاوية على عروشها..الدكاكين التي كانت في الأيام الخالية قبلة الباعة والمتسوقين أصبحت اليوم مغارات للزواحف والهوام ومأوى للأغنام..بعدما غمرتها المياه وجرفت السيول المتلاحقة آمال أربابها في استعادة الحياة بهذا المكان..


معالم الحياة النشطة، لا يظن أنها كانت موقفا(كراج) مزدحما بكلأنواع السيارات القادمة من كل حدب وصوب حاملة الناس والمتاع ومضفية على السوق حيوية جعلت منه أهم نقطة ربط تجاري في الشرق الموريتاني.

لن تعود الحياة لهذه السوق بهذا قضت السلطات بعدما قررت اعتماد الربوة الجنوبية موقعا جديدا لـ"للطينطان الجديد"، صدمت حينها رابطة التجار المطالبين بإنشاء جسور ومجاري لصرف الماء وترك المدينة في مكانها الأول..لم يعد أما أولئك التجار والسكان إلا البحث عن قطعة أرضية مناسبة في الموقع الجديد.

الجرس الصامت

"منذ ثلاث سنوات لم يدق هذا الجرس وربما لن يدق مستقبلا"..هكذا قال لنا أحد تلاميذ هذه المدرسة سابقا الذين جاءوا مستغربين التصوير الذي نقوم به..مدرسة خالد لم يعد معلم يحمل فيها سوطا ليقيم طابور الصباح لتلامذته، ولم يعد هناك تلامذة يصغون للمعلمين في الفصل وإذا مروا بهم يتغامزون..أحاطت المياه المدرسة وهجر المواطنون المكان.


هجر السكان المدينة التي ربطتهم بها مشاعر ومتاجر ومقابر قرابة قرن من الزمن..نزحوا قسرا تحت جنح الظلام ناجين بأرواحهم ومخلفين وراءهم منازل أحكموا إغلاقها ظنا منهم أنها"سحابة صيف عن قليل ستنقشع"..لكن حكمت السيول المتلاحقة و السلطات المتلاحقة أيضا بما لا
تشتهيه نفوس السكان ـ هكذا يرى البعض ـ.


من سيعمر المسجد الكبير


هو الآن مسجد شبه مهجور.. لكنه كان أكبر مسجد جامع بالمقاطعة.. يقع في الجهة الغربية الشمالية للسوق المركزي القديم..كما يقع في وسط المدينة..يصدح من مئذنته الأذان فتضج أرجاء المدينة المنغرز في قلبها واسطة عقد..ويهرع إليه السكان لأداء الصلاة كأنهم رجع صدى أذانه الوقور..كما كان مأوى أفئدة التجار والمتسوقين يأوون إليه وقت الظهيرة مستظلين من لافح الرمضاء وباحثين عن سكينة قلبية لا يوفرها السوق الممتلئ بالضوضاء..ما يزال تقام به الصلوات لكن قل المصلون..لقد رجل جيران المسجد وأصبح الأذان يصدح على أطلال مدينة خاوية.

حال المسجد ليست أسوء من حال المخبزة التقليدية التي تنتج ما يسمى محليا بـ(امبور لحطب)..خمدت مدخنة هذه المخبزة..وهدأت في جوفها النار..لم يعد الأطفال يعلقون ذهابهم إلى المدرسة المجاورة لها على نضج خبزها..رحل صاحب هذه المخبزة إلى ظاهر المدينة الجديدة وبدأ رحلة البحث عن زبائن جدد..لم يخطر بباله أن المقادير تعد له مكانا آخر..فقد كانت مخبزته رائجة بشكل كبير، مكانها الاستراتيجي قرب السوق وبين الناس جعل منها مصدر رزق كبير..ترى ما مصير من كانت تعود لهم هذه المخبزة؟



مشروع ’’الإعمار’’


بدأت جهود الإعمار حصل إحصاء للسكان والمساكن والمتضررين أنجز وأعيد إنجازه..وخصصت ميزانية وإدارة وعنوان كبير اسمه"مشروع إعمار مدينة الطينطان"..ورغم تناوب أكثر من حكومة ورئيس على موريتانيا مازال مشروع الإعمار لم ينته بعد.الحلول التي اتخذتها الدولة لإعمار الطينطان تختلف فيها وجهات نظر المواطنين، ففي حين يرى البعض أنها كانت مقبولة يرى آخرون أن خطة الإعمار تعاني مشاكل على مستوى التخطيط أولا والتنفيذ ثانيا.

محمد يحي بن بكار رئيس التكتل الاجتماعي للدفاع عن المنكوبين رأى"أن الحلول التي اتبعت السلطات كانت انتقائية، حيث ركزت على المتضررين أصحاب الصوت العالي مثل التجار وأصحاب المنازل الغارقة، لكن هناك فئات أخرى متضررة لم يشملها الإحصاء الذي تم بناء عليه توزيع التعويضات، ثم إن قسمة التعويضات لم تكن عادلة حيث لم تف السلطات بوعدها في اتباع نهج التعويض حسب المساحة والجوار والموقع، وكذلك من المتضررين الذي لم يشملهم الإحصاء ولم يمنحوا تعويضات مالكي واحات النخيل التي جرفتها السيول بالكامل" وأكد محمد يحي على "ضرورة اتخاذ حلول شاملة غير انتقائية"

تلك ملامح أولية من مشهد معقد لمدينة عريقة تحولت إلى ملف إداري فيه عشرات المليارات الضائعة ومئات المنازل والدكاكين وآلاف المواطنين الباحثين عن مأوى يظلهم من شمس ويطعمهم من جوع..ملف إداري سمته السلطات الرسمية "مشروع إعادة إعمار الطينطان"،وملف بناء"طينطان" جديد كما يسميه بعض السكان الذين لم يرضهم قرار السلطات هجر المدينة القديمة وبناء المدينة على المرتفع الجنوبي فقط.

نقلا عن موقع السراج

هناك تعليق واحد:

Entrümpelung wien يقول...

تحياتى لكم على المجهود .. :)